بيت المضيفة

بيت المضيفة كما يتضح من إسمه : هو بيت يقام خصيصا لإستقبال ضيوف النجع حيث يتخذ مكانا بارزا عادة ما يكون أمام البيوت كما يتضح عبر هذه الأبيات:

مبنى لاقدام مطرف *** للطرقي و اللي خطـارة

وين بيـان الكل يشرف *** و يرحب و يقول يساره

يكرام و يمسي و يخرف *** ما تلفاله فيه صغارة

مطرف: أي موقع البيت ( الطرف : الناحية، و الأطراف من البدن: اليدان و الرجلان و الرأس )

الطرقي : من رمته الطريق

يساره أو يسارها: دعوة للترجل عن الجواد. أي النزول من الجهة اليسرى، و هي عادة متبعة لدى الفرسان و بذا تكون قد اجتمعت فى هذا البيت عدة معان تشير إلى: الترحيب الحار ، كرم الضيافة، حسن الإقامة، البشاشة و الكرم صفة متأصلة في العرب توارثوها أبا عن جد و كابر عن كابر.

يقول حاتم الطائى مخاطبا أحد عبيده :

أوقـد فإن الليل ليـل قـر *** و الريح يا موقد ريح صـر

عسى يرى نارك من يمر *** فإن جلبت ضيفا أنت حر

فبحث الطائي عن الضيف لإكرامه بلغ به من اللهفة أن يعد عبده بالعتق و التحرير إذا جلبت نيرانه ضيفا..

و إيقاد النار عادة عند العرب درج عليها العرب منذ القدم، فهم يبحثون بواسطتها عن الضيف قبل أن يبحث الضيف عنهم . و قد كان أهلنا يتبعون هذه العادة في باديتهم و هذا ما عبر عنه الشاعر بقوله:

مرايف على بيت فيه الفنـــــار *** و طريحة نـــــار ** دليل ليــــل للذاهب و للدوار

و الذاهب هو من تاه و أظل طريقه، أما الدوار فهو الباحث عن شيء ما فقده.

و الضيف بالطبع لا يقصد البخيل كون هذا الأخير لا يبني بيت للضيافة أصلا يقول الشاعر :

هذا عمرى ما ريت بخيل .. سمك بيت ايجوه الخطار

أما أوصاف هذا البيت فقد قال تناولها الشاعر قائلا:

هـ الضايف بيته مبنيله .. طرف مفروش بحصرانه

كان لفى الكل يصبيله .. يعزم و يعلق لحصانـه

يذبحله شاه و يشويله .. و يكلمله عـ الديقــانة

و العلوق فى العامية: ما يوضع فى مخلاة الجواد من شعير

الديقانة : من يتحادثون سمرا

يقول الشاعر عن استقبال أهلنا للضيف :

يلاقوه قدام الطريق حفايا

حفايا: حفاة. و في ذلك دلالة على التلهف لإستقباله

و مشاهد النيران التي يوقدها العرب في أعلى الجبال في الليالي المظلمة كي يستدل بها الضيوف و عابري السبيل إنما هي إرث توارثناه

فـ روس العوالي نارهم لهلابة .. عيون الدوايح شورها تنشال

قدام نجع كيف النجم للذهابـة ..يبان بين نوار العفا نــزال

ذلولات من دوس الضيوف كلابه .. و وكلن امواسه مـ المسن ايكال

الذوايح في العامية: جمع ذايح أي تائه على وجهه

ذلـــــــولات: هادئات

داس : وطأ

المسن: حجر لشحذ السكاكين(إشارة لتآكل السكاكين من كثرة احتكاكها بالمسن في تجهيزها لذبح الذبائح و إعمالها في اللحوم إكراما للضيف)

مع ضيفنا ما عمرنا قصرنـا *** نلاقـوه قدام الطريق حفايا

ذبيحته ثني هذاك طولة قرنه *** و وساده مخالي و الفراش حوايا

و وين ما مشى منا مشى شاكرنا *** تباعد و فيه يطارحو طرايـا

صدر البيت الثانى يوضح سن الخروف ( الثني: ما بعد الحمل و ما قبل الكبش) فليس كل شاه تذبح للضيف إذ يجب أن تكون مكتملة النمو طرية اللحم
و قد اكتملت الصوره بلقاء حار (قدام الطريق حفايا) و حسن توديع (تباعد و فيه يطارحو طرايا)

الطرايا في العامية: الحماة.

إن الحديث عن بيت المضيفة يجرنا إلى الحديث عن الكرم و جود الأجواد و و مآثرهم و هذا (موضوع اخر ) و إن كان ليس من السهل عزله عن بيت المضيفة (المكان) و لكن برغم التمدن و الحضاره وحياة الرفاهية التى يعيشها إنسان هذا الزمان التى جعلت من (( بيت المضيفة)) صورة تراثية جميلة يتغنى بها الشعراء فى قصائد الأجواد إلا أن ((المربــــــــوعة)) و هي أكبر حجرات بيوتنا لم تغلق فى وجه الضيوف و لا زالت مشرعه لإستقبالهم إذ الكرم عندنا أصالة و ليس تفاخرا و مباهاة.